کد مطلب:142120 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:236

العباس بن علی بن ابی طالب
ولد سـنـة سـت وعـشرین من الهجرة. وأُمّه اُم البنین، فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربیعة بن عامر المـعـروف بـالوحـیـد بـن كـلاب بـن عـامـر بـن ربـیـعـة بـن عامر بن صعصعة. وأُمّها ثمامة بنت سـهـیـل بـن عـامـر بـن مـالك بـن جـعـفـر بـن كـلاب. وأُمـّهـا عـمـرة بـنـت الطـفـیـل فارس قرزل، ابن مالك الأخزم رئیس هوازن، بن جعفر بن كلاب. وأُمّها كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأُمّها أُم الخشف بنت أبی معاویة فارس هوازن، ابن عبادة بن عـقـیل بن كلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة. وأُمّها فاطمة بنت جعفر بن كلاب. وأُمّها عاتكة بـنت عبد شمس بن عبد مناف. وأُمّها آمنة بنت وهب بن عمیر بن نصر بن قعین بن الحرث بن ثعلبة بـن ذودان بـن أسد بن خزیمة. وأُمّها بنت حجدر بن ضبیعة الا غرّ بن قیس بن ثعلبة بن عكابة بـن صـعـب بـن عـلی بـن بكر بن وائل بن ربیعة بن نزار. وأُمّها بنت مالك بن قیس بن ثعلبة. وأُمـّهـا بـنـت ذی الرأسین خشین ابن أبی عاصم بن سمح بن فزارة. وأُمّها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبیان بن بغیض بن الریث بن غطفان.

قـال السـیـد الداودی فـی العـمـدة: إنّ أمـیـرالمـؤمـنـیـن علیه السلام قـال لا خـیـه عـقـیـل ـ وكـان نـسـّابـة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم ـ: ابغنی إمرأة قد ولدتها الفـحـولة مـن العـرب لأ تـزوّجـهـا فـتـلد لی غـلامـاً فـارسـاً، فـقـال له: أیـن أنـت عـن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابیّة، فإنّه لیس فی العرب أشجع من آبائها ولا أفرس [1] .


وفی آبائها یقول لبید للنعمان بن المنذر ملك الحیرة:



نحن بنو أُم البنین الأربعه

ونحن خیر عامر بن صعصعه



الضاربون الهام وسط المجمعه

فـلا یـنـكـر علیه أحد من العرب، ومن قومها ملاعب الأسنّة أبو برأ الذی لم یعرف فی العرب مثله فی الشجاعة، والطفیل فارس قرزل، وابنه عامر فارس المزنوق، فتزوجها أمیرالمؤمنین علیه السلام فولدت له وأنجبت. وأوّل ما ولدت له العبّاس علیه السلام یلقّب فی زمنه قمر بنی هاشم، ویكنّی أبا الفضل. وبعده عبداللّه، وبعده جعفراً، وبعده عثمان. وعاش العبّاس مع أبیه أربع عشرة سـنـة، حـضـر بـعـض الحـروب فـلم یـأذن له أبـوه بالنزال، ومع أخیه الحسن أربعاً وعشرین سنة، ومع أخیه الحسین علیه السلام أربعاً وثلاثین سنة، وذلك مـدّة عـمـره، وكـان علیه السلام أیـداً شـجـاعـاً فـارسـاً وسـیماً جسیماً یركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان فی الأرض.



وروی عـن أبـی عـبـداللّه الصـادق علیه السلام أنـّه قال: (كان عمّنا العبّاس بن علی نافذ البصیرة، صلب الإیمان، جاهد مع أبی عبداللّه علیه السلام، وأبلی بلاء حسناً، ومضی شهیداً) [2] .

وروی عن علی بن الحسین علیه السلام أنّه نظر یوماً إلی عبیداللّه بن العبّاس بن علی علیه السلام فاستعبر ثمّ قـال: (مـا مـن یـوم أشـدّ عـلی رسـول اللّه صلی الله علیه وآله مـن یـوم أحـد، قـتـل فـیـه عـمـّه حـمـزة بـن عـبـدالمـطـلب أسـد اللّه وأسـد رسـوله، وبـعـده یـوم مـؤتـة قـتـل فـیـه ابـن عـمّه جعفر ابن أبی طالب، ولا یوم كیوم الحسین، إزدلف إلیه ثلاثون ألف رجـل، یـزعـمـون أنّهم من هذه الأمّة، كلّ یتقرّب إلی اللّه عزّ وجلّ بدمه، وهو یذكّرهم باللّه فلا یـتـّعـظـون، حـتـّی قـتـلوه بـغیاً وظلماً وعدواناً، ثمّ قال: (رحم اللّه العبّاس فلقد آثر وأبلی، وفـَدی


أخـاه بـنفسه حتّی قطعت یداه، فأبدله اللّه عزّ وجلّ منهما جناحین یطیر بهما مع الملائكة فی الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبی طالب.

وإنّ للعـبـاس عـنـد اللّه تـبـارك وتـعـالی مـنـزلة یـغـبـطـه بـهـا جـمـیـع الشـهـداء یـوم القـیامة) [3] .

وروی أبـو مـخـنـف أنـّه لمـا مـُنـع الحـسـیـن علیه السلام وأصـحـابـه مـن المـاء وذلك قـبـل أن یـجـمـع علی الحرب إشتدّ بالحسین وأصحابه العطش، فدعا أخاه العبّاس فبعثه فی ثـلاثـیـن فارساً وعشرین راجلاً لیلاً، فجاؤا حتّی دنوا من المأ، واستقدم أمامهم باللواء نافع فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبیدی، فامتنعوا منه بالسیوف وملأوا قربهم وأتوا بها والعباس بـن عـلی ونـافـع یـذبـان عـنـهـم ویـحـمـلان عـلی القـوم حـتـّی خـلصـوا بـالقـرب إلی الحـسین [4] فسمّی السقّأ وأبا قربة.

وروی أبـو مـخـنف أنّه لما كاتب عمر بن سعد عبیداللّه بن زیاد فی أمر الحسین علیه السلام وكتب إلیه عـلی یـدی شـمـر بـن ذی الجـوشـن بـمـنـازلة الحـسـیـن ونـزوله، أو بـعـزله وتـولیـة شـمـر العـمـل، قام عبداللّه بن أبی المحلّ بن حزام بن خالد بن ربیعة بن عامر الوحید ـ وكانت عمّته اُمّ البنین ـ فطلب من عبیداللّه كتاباً بأمان العبّاس وإخوته، وقام معه شمر فی ذلك، فكتب أماناً وأعـطـاه لعـبـداللّه، فـبـعـثـه إلی العـبـّاس وإخـوتـه مـع مـولی له یـقـال له: كـُزمـان، فـأتـی بـه إلیـهـم فـلمـّا قـرأوه قـالوا له: أبـلغ خـالنـا السـلام وقـل له أن لا حـاجـة لنـا فـی الأمـان، أمـانُ اللّه خـیـر مـن أمـان ابـن سـمـیـّة. فـرجـع، قـال: ووقف شمر فی الیوم العاشر ناحیة فنادی: أین بنو أُختنا، أین العبّاس وإخوته، فلم یـجـبـه أحـد، فـقـال لهـم الحـسـیـن علیه السلام: أجـیـبـوه ولو كـان فـاسـقـاً، فـقـام إلیـه العـبـّاس فـقـال له: مـا تـریـد؟ قـال: أنـتـم


آمـنـون یـا بـنـی أُخـتـنـا. فـقـال له العـبـّاس: لعـنـك اللّه ولعـن أمـانـك، لئن كـنـت خـالنـا أتـؤ مـنـّا وابـن رسول اللّه لا أمان له؟ وتكلّم إخوته بنحو كلامه ثمّ رجعوا [5] .

وروی أبـو مـخـنـف أیـضـاً وغـیـره أنّ عـمـر بـن سـعـد نـادی فـی الیـوم التـاسـع: یـا خیل اللّه اركبی وأبشری بالجنّة. فركب الناس وزحفوا، وذلك بعد صلاة العصر، والحسین علیه السلام جالس أمام بیته محتبیاً بسیفه وقد خفق علی ركبتیه، فسمعت زینب الصیحة فدنت منه وقالت: أما تـسـمـع الأصـوات یـا أخـی قـد اقـتـربـت! فـرفـع الحـسـیـن علیه السلام رأسـه وأخـبـرهـا بـرؤیـة رسـول اللّه صلی الله علیه وآله وأنـّه یـدعـوه، فـلطـمـت زیـنـب وجـهـهـا وقـالت: یـا ویـلتـاه، فـقـال لهـا: لیـس الویـل لك یـا أُخـیـّة، أُسـكـتـی رحـمـك الرحـمـن. ثـم قـال العـبـّاس له: یـا أخـی قـد أتـاك القـوم فـنـهـض، ثـم قـال: (یـا عـبـّاس، إركـب بـنـفـسـی أنـت حـتـّی تـلقـاهـم فتقول لهم: ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم)، فأتاهم العبّاس فی نحو عشرین فارساً فیهم زهیر وحبیب فقال لهم: ما لكم وما بدا لكم وما تریدون؟ فقالوا: جاء أمر عبیداللّه أن نـَعـرِض عـلیـكـم أن تـنـزلوا عـلی حـكـمـه أو نـنـازلكـم. قال: فلا تعجلوا حتّی أرجع إلی أبی عبداللّه فأعرِض علیه ما ذكرتم، فوقفوا ثمّ قالوا: إلقَه فأعلمه ذلك، ثمّ أعلمنا بما یقول. فانصرف العبّاس یركض فرسه إلی الحسین علیه السلام یـُخـبـره، ووقـف أصـحابه یخاطبون القوم حتّی أقبل العبّاس یركض فرسه فانتهی إلیهم، فـقـال: یا هؤلاء: إنّ أبا عبداللّه یسألكم أن تنصرفوا هذه العشیّة حتّی ینظر فی هذا الأمر، فـإنّ هـذا أمـر لم یـجـر بـینكم وبینه فیه منطق، فإذا أصبحنا التقینا فإمّا رضیناه فأتینا بـالأمـر الذی تـسـألونـه وتـسـومـونـه أو كـرهـنـا فـرددنـاه. قال: وإنّما أراد بذلك أن یردّهم عن الحسین تلك العشیّة حتی یأمر بأمره ویوصی أهله، وقد كان الحسین علیه السلام قال له: (یا أخی أن إستطعت أن تؤ خّرهم هذه العشیّة إلی غدوة،


وتدفعهم عنّا لعـلّنـا نـصـلّی لربـنا اللیلة وندعوه ونستغفره، فهو یعلم أنی قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كـتـابـه وكـثـرة الدعـاء والإسـتـغـفـار)، فـقـال لهـم العـبـّاس مـا قـال، فـقـال عمر بن سعد: ما تری یا شمر؟ فقال: ما تری أنت، أنت الأمیر والرأی رأیك، فـقـال: قـد أردت أن لا أكـون ذا رأی. ثـمّ أقـبـل عـلی النـاس فقال: ماذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج: سبحان اللّه! واللّه لو كانوا من الدیلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ینبغی لك أن تجیبهم إلیها. وقال قیس بن الأشعث: لا تجبهم إلی ما سألوك فـلعـمـری لیـصبحنّك بالقتال غدوة. فقال: واللّه لو أعلم أن یفعلوا ما أخّرتهم العشیّة، ثمّ أمر رجلاً أن یدنوا من الحسین علیه السلام بحیث یسمع الصوت فینادی: إنّا قد أجّلناكم إلی غدٍ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلی الأمیر، وإن أبیتم فلسنا تاركیكم [6] .

وروی أهـل السـیـر عـن الضـحـّاك بـن قـیـس المـشـرقـی، قـال: إنّ الحـسـیـن علیه السلام جـمـع تـلك اللیـلة أهـل بـیـتـه وأصـحـابـه فـخـطـبـهم بخطبته التی قـال فـیـهـا: (أمـّا بـعـد: فـإنـّی لا أعـلم أهـل بـیـت إلخ). فـقـام العـّبـاس فـقـال: لِمَ نـفـعـلُ ذلك؟! لنـبـقـی بـعـدك؟! لا أرانـا اللّه ذلك أبـداً [7] ثـمّ تكلّم أهل بیته وأصحابه بما یشبه هذا الكلام، وسیذكر بعد.

قـالوا: ولمـّا أصـبـح ابن سعد جعل علی ربع المدینة عبداللّه بن زهیر بن سلیم الأزدی، وعلی ربع مذحج وأسد عبدالرحمن بن أبی سبرة الجعفی، وعلی ربع ربیعة وكندة قیس بن الأشعث بن قـیـس، وعـلی ربـع تـمـیـم وهـمـدان الحـر بـن یـزیـد الریـاحـی، وجـعـل المـیـمـنـة لعـمـرو بـن الحـجـاج الزبـیـدی، والمـیـسـرة لشـمر بن ذی الجوشن الضبابی، والخـیـل لعـزرة بـن قـیـس الأحـمـسـی، والرجـال لشـبـث بـن ربـعـی، وأعـطی الرایة لدرید


مولاه [8] .

ولمـّا أصـبـح الحـسـیـن علیه السلام جـعـل المـیـمـنة لزهیر، والمیسرة لحبیب، وأعطی الرایة أخاه العبّاس [9] .

وروی أبـو مـخـنـف عـن الضـحـّاك بن قیس أنّ الحسین علیه السلام لمّا خطب خطبته علی راحلته ونادی فی أولها بأعلی صوته: (أیّها الناس، إسمعوا قولی ولا تعجلونی). سمع النساء كلامه هذا فـصـحـن وبـكـیـن وارتـفـعـت أصـواتـهـن، فـأرسـل إلیـهـنّ أخـاه العـبـّاس وولده عـلیـّاً وقـال لهـما: أسكتاهنَّ فَلَعمری لیكثرنّ بكاؤ هنّ، فمضیا یسكتاهنّ حتّی إذا سكتن عاد إلی خطبته. فـحـمـد اللّه وأثـنـی عـلیـه وصـلّی علی نبیّه. قال: فواللّه ما سمعت متكلماً قط لا قبله ولا بعده أبلغ منه منطقاً [10] .

وقـال أبـو جـعـفـر وابن الأثیر: لما نشبت الحرب بین الفریقین تقدم عمر بن خالد ومولاه سعد، ومـجـمّع بن عبداللّه، وجنادة بن الحرث فشدوا مُقدمین بأسیافهم علی الناس، فلمّا وغلوا فیهم عـطـف عـلیهم الناس فأخذوا یحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسین علیه السلام لهم أخاه العـبّاس فحمل علی القوم وحده، فضرب فیهم بسیفه حتّی فرّقهم عن أصحابه وخلص إلیهم فـسلّموا علیه فأتی بهم، ولكنّهم كانوا جرحی فأبوا علیه أن یستنقذهم سالمین، فعاودوا القتال وهو یدفع عنهم حتّی قتلوا فی مكان واحد [11] فعاد العبّاس إلی أخیه وأخبره بخبرهم.

قـال أهـل السـیر: وكان العبّاس ربما ركز لواءه أمام الحسین وحامی عن أصحابه


أو استقی ماء فكان یلقّب بالسقّاء. ویكنّی أبا قربة بعد قتله.

قـالوا: ولمـّا رأی وحـدة الحـسـیـن علیه السلام بـعـد قـتـل أصـحـابـه وجـمـلة مـن أهـل بـیته، قال لاخوته من أُمّه: تقدّموا لأحتسبكم عند اللّه تعالی، فإنّه لا ولد لكم. فتقدّموا حـتـّی قـتـلوا، فـجـاء إلی الحـسـیـن علیه السلام واسـتـأذنـه فـی المـصـال [12] ، فـقـال له: (أنـت حـامـل لوائی)، فـقال: لقد ضاق صدری وسئمت الحیاة. فقال له الحسین: (إن عزمت فاستسق لنا ماء)، فأخذ قربته وحمل علی القوم حتّی ملأ القربة. قالوا: واغترف من الماء غرفة ثمّ ذكر عطش الحسین علیه السلام فرمی بها وقال:



یا نفس من بعد الحسین هونی

وبعده لا كنت أن تكونی



هذا الحسین وارد المنون

وتشربین بارد المعین



ثـمّ عـاد فـأُخـذ عـلیـه الطـریـق، فـجـعـل یـضـربـهـم بـسـیـفـه وهـو یقول:



لا أرهب الموت إذا الموت زقا

حتی أُواری فی المصالیت لقی



إنّی أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أهاب الموت یوم الملتقی



فـضـربـه حـكـیـم بـن طـفـیـل الطـائی السـنـبـسـی علی یمینه فبرأها، فأخذ اللواء بشماله وهو یقول:



واللّه إن قطعتم یمینی

إنّی أُحامی أبداً عن دینی



فـضـربـه زیـد بـن ورقـاء الجـهـنـی عـلی شـمـاله فـبـرأهـا، فـضـمّ اللواء إلی صـدره كـمـا فـعـل عـمـّه جـعـفـر إذ قـطـعـوا یـمـیـنـه ویـسـاره فـی مـؤ تـة، فـضـمّ اللواء إلی صـدره وهـو یقول:



ألا ترون معشر الفجّار

قد قطعوا ببغیهم یساری



فحمل علیه رجل تمیمی من أبناء أبان بن دارم فضربه بعمود علی رأسه فخرّ صریعاً إلی الأرض، ونادی بأعلی صوته: أدركنی یا أخی. فانقض علیه أبو عبداللّه


كالصقر فرأه مـقـطـوع الیـمـیـن والیـسار مرضوخ [13] الجبین مشكوك العین بسهم مرتثاً بالجراحة، فـوقـف عـلیـه مـنـحـنـیـاً، وجـلس عـنـد رأسـه یـبـكـی حـتـّی فـاضـت نـفـسـه، ثـم حـمـل علی القوم فجعل یضرب فیهم یمیناً وشمالاً فیفرّون من بین یدیه كما تفرُّ المعزی إذا شدّ فیها الذئب، وهو یقول: أین تفرّون وقد قتلتم أخی؟! أین تفرّون وقد فتتم عضدی؟! ثمّ عاد إلی مـوقـفـه مـنـفـرداً. وكـان العـبـّاس آخـر مـن قـتـل مـن المـحـاربـیـن لأعـداء الحـسـیـن علیه السلام، ولم یقتل بعده إلاّ الغلمان الصغار من آل أبی طالب الذین لم یحملوا السلاح.

وفیه یقول الكمیت بن زید الأسدی:



وأبو الفضل إنَّ ذكرَهم الحلوَ

شفاءُ النفوس فی الأسقام



قتل الأدعیاء إذ قتلوه

أكرم الشاربین صوب الغمام



ویقول حفیده الفضل بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عبیداللّه بن العبّاس:



إنّی لا ذكر للعباس موقفه

بكربلاء وهام القوم تختطف



یحمی الحسین ویحمیه علی ظمأٍ

ولا یولّی ولا یثنی فیختلف



ولا أری مشهداً یوماً كمشهده

مع الحسین علیه الفضل والشرف



أكرم به مشهداً بانت فضیلته

وما أضاع له أفعاله خلف



وأقول:



أمسندٌ ذاك اللوا صدره

وقد قطعت منه یمنی ویسری



لثنّیت جعفر فی فعله

غداة استضمّ اللوا منه صدرا



وأبقیت ذكرك فی العالمین

یتلونه فی المحاریب ذكرا



وأوقفت فوقك شمس الهدی

یدیر بعینیه یمنی ویسری






لئن ظل منحنیاً فالعدی

بقتلك قد كسروا منه ظهرا



وألقوا لواه فلفّ اللواء

ومن ذا تری بعد یسطیع نشرا



نأی الشخص منك وأبقی ثناك

إلی الحشر یدلج فیه ویسری



وأنـا أسـتـرق جـدّاً مـن رثـاء أُمـّه فـاطـمة أُمّ البنین الذی أنشده أبو الحسن الأخفش فی شرح الكـامـل: وقـد كـانـت تـخـرج إلی البـقـیـع فـی كـلّ یـوم تـرثـیـه وتـحمل ولده عبیداللّه فیجتمع لسماع رثائها أهل المدینة وفیهم مروان بن الحكم فیبكون لشجیِّ الندبة، قولها رضی اللّه عنها:



یا من رأی العبّاس كرَّ

علی جماهیر النقد



ووراه من أبناء حیدر

كل لیث ذی لبد



أُنبئت أنّ ابنی أُصیب

برأسه مقطوع ید



ویلی علی شبلی أما

ل برأسه ضرب العمد



لو كان سیفك فی ید

یك لما دنا منه أحد



وقولها:



لا تدعُوَنّی ویكِ أُمَّ البنین

تذكّرینی بلیوث العرین



كانت بنون لیَ أُدعی بهم

والیوم أصبحت ولا من بنین



أربعة مثل نسور الربی

قد واصلوا الموت بقطع الوتین



تنازع الخرصان أشلائهم

فكلهم أمسی صریعاً طعین



یا لیت شعری أكما أخبروا

بأنّ عبّاساً قطیع الیمین



وروی جـمـاعـة عـن القـاسـم بن الأصبغ بن نباتة قال: رأیت رجلاً من بنی أبان بن دارم أسود الوجـه وقـد كـنـت أعـرفـه شـدیـد البـیـاض جمیلاً، فسألته عن سبب تغیّره وقلت له: ما كدت أعرفك. فقال: إنّی قتلت رجلاً بكربلا وسیماً جسیماً، بین عینیه أثر السجود، فما بتُّ لیلة مـنـذ قتلته إلی الآن إلاّ وقد جائنی فی النوم، وأخذ بتلابیبی


وقادنی إلی جهنّم فیدفعنی فیها فـأظـل أصـیـح، فـلا یـبـقـی أحـد فـی الحـیّ إلاّ ویـسـمـع صـیـاحـی، قـال: فـانـتـشـر الخـبـر، فـقـالت جارة له: إنّه ما زلنا نسمع صیاحه حتّی ما یدعنا ننام شیئاً من اللیـل، فـقـمـت فـی شـباب الحی إلی زوجته فسألناها، فقالت: أما إذا أخبر هو عن نفسه فلا أبعد اللّه غیره، قد صدقكم. قال: والمقتول هو العبّاس بن علی علیه السلام [14] .

(ضبط الغریب)

ممّا وقع فی هذه الترجمة:

(الأیـّد): كـسـیـّد: القـوی.

(الوسـیـم): مـن الوسـامـة وهـی الجمال.

(المطهّم): كمحمد: السمین الفاحش السمن العالی، وهذه كنایة عن طوله وجسامته علیه السلام.

(إزدلف): أی سـار إلیه وقرب منه.

(یغبطه): أی یتمنّی أن یكون مثله بلا نقصان من حظّه.

(خلصوا): وصلوا.

(بنفسی أنت): أی فدیتك بنفسی. ویمضی فی بعض الكتب بنفسك ولیس ‍ به.

(ركـض): أی ضرب الفرس برجله، قال اللّه تعالی (اركض برجلك) [15] ، فأمّا بمعنی عدا فلیس صحیحاً.

(الضـحـّاك بـن قیس): المشرقی من همدان، هذا جاء إلی الحسین علیه السلام هو ومالك ابن النضر الأرحبی أیـّام المـوادعـة یـسلّمان علیه، فدعاهما لنصرته فاعتذر مالك بدَینه وعیاله وأجاب الضحّاك عـلی شـریـطـة أنـّه إن رأی نصرته لا تفید الحسین علیه السلام فهو فی حلّ، فرضی الحسین علیه السلام منه حـتـّی إذا لم یـبـق مـن أصـحـابـه إلاّ نـفـران جـاء إلی


الحـسـیـن علیه السلام وقـال له: شـریـطـتـی، قـال: نعم، ولكن أنّی لك النجاء؟! إن قدرت علی ذلك فأنت فی حلّ. فـأقـبـل عـلی فـرسـه، وقـد كـان خـبـّأهـا بـیـن البـیـوت حـیـن رأی الخیل تعقر، وقاتل راجلاً، فاستخرجها ثمّ استوی علی متنها حتّی إذا قامت علی السنابك رمی بها عـرض القـوم فـأفـرجـوا له، وتـبـعه خمسة عشر فارساً حتّی انتهی إلی شفیة فلحقوه، وعطف عـلیـهـم فـعـرفـه كـثـیـر بـن عـبـداللّه الشـعـبـی وأیـّوب بن مشرح الخیوانی، وقیس بن عبداللّه الصائدی، فناشدوا اللّه أصحابهم الكفّ عنه، فنجا، فهو یخبر عن جملة ممّا وقع للحسین علیه السلام وأصحابه فی المقاتلة.

(عـبـداللّه بـن زهیر): بن سلیم الأزدی كان من أصحاب أمیرالمؤمنین علیه السلام وله ذكر فی الحروب والمغازی وولی الأعمال لآل أُمیّة.

(عـبـدالرحـمـن بـن أبـی سـبـرة): یـزیـد بـن مـالك بـن عـبـداللّه بـن ذویـب بن سلمة بن عمرو بن ذهـل بـن مـران بـن جـعـفـی، وفـد هـو وأخـوه سـبـرة مـع أبـیـه عـلی رسـول اللّه صلی الله علیه وآله وكـان اسـمـه عـزیـزاً فـسـمـّاه رسول اللّه صلی الله علیه وآله عبدالرحمن، وله مع صحبته أفعال ذمیمة [16] .

(فـإنـّه لا ولد لكـم): یـعـنی بذلك إنّكم إن تقدمتمونی وقتلوكم لم تبق لكم ذریة فینقطع نسب أمیرالمؤمنین علیه السلام منكم فیشتدّ حزنی ویعظم بذلك أجری.

وزعـم بـعـض النـاس أنـّه یـعـنـی لأحـوز مـیـراثكم فإذا قتلت خلص لولدی. وهذا طریف، فإنّ العـبـّاس أجـلّ قـدراً مـن ذلك، ولمـا ذكـرتـه فـی مـراده نـظـیـر، وهـو قول عابس ‍ لشوذب الذی یأتی ذكره، وسأنبّه علیه هناك إن شأ اللّه.

(زقـا): صـاح، تـزعـم العـرب أنّ للمـوت طـائراً یـصـیـح ویـسـمـّونـه الهـامـة، ویـقـولون إذا قتل الإنسان ولم یؤخذ بثأره زقت هامته حتّی یثأر.


قال الشاعر:



فإن تك هامة بهراة تزقو

فقد أزقیت بالمروین هاما



(المصالیت): جمع مصلات وهو: الرجل السریع المتشمر.

قال عامر بن الطفیل:



وإنّا المصالیت یوم الوغا

إذا ما المغاویر لم تقدم



(السنبسی): بالسین المهملة وبعدها النون ثمّ الباء المفردة والسین والیاء المثنّاة تحت منسوب إلی سنبس بطن من طی.

(ورقاء): بالواو والراء المهملة والقاف والمد، ویمضی فی بعض الكتب (رقاد) وهو تصحیف.

(النقد): جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه فمعنی البیت (یا من رأی العبّاس) وهو إسم للأسد. كرّ علی جماعات الغنم المعروفة بالنقد وهو بدیع.

(تلابیبی): جمع تلبیب وهو: موضع اللبب من الثیاب. واللبب موضع القلادة من الصدر.


[1] عمدة الطالب: 324 بتفاوت في بعض الكلمات.

[2] الخصال: 86، باب الإثنين، عمدة الطالب: 323.

[3] الخصال: 68، باب الإثنين، ح 101.

[4] تاريخ الطبري: 3: 312، بتفاوت وسقط في بعض الكلمات.

[5] تاريخ الطبري: 3: 313.

[6] تاريخ الطبري: 3: 313، وأورده الشيخ المفيد في الإرشاد 2: 90.

[7] راجع الإرشاد: 2: 91.

[8] في الأخبار الطوال: 256، لزيد، وفي بعض نسخ الإرشاد: دويدا وذويدا. وهو تصحيف ظاهر. راجع الإرشاد: 2: 96، والكامل: 4: 60.

[9] راجع الأخبار الطوال: 256، والإرشاد: 2: 95.

[10] تاريخ الطبري: 3: 319 بتفاوت.

[11] تاريخ الطبري: 3: 330، الكامل: 4: 74.

[12] هكذا في الأصل، ولعلّه المصاع: أي القتال والجلاد. أو لعلّه المصاولة.

[13] قال ابن منظور: والرَّضخ: كسر الرأس. راجع لسان العرب: 5: 229.

[14] مناقب ابن شهرآشوب: 4: 58.

[15] سورة ص: 42.

[16] لاحظ ترجمته في أُسد الغابة: 5: 206، وجمهرة أنساب العرب للأندلسي: 409.